الثلاثاء 2016/01/12

آخر تحديث: 15:11 (بيروت)

مأزق "حزب الله".. معه لبنان

الثلاثاء 2016/01/12
مأزق "حزب الله".. معه لبنان
increase حجم الخط decrease

لا شك أن مشاركة "حزب الله" في الحرب السورية شكلّت منعطفاً في تاريخه. فإذا كان الحديث في أوساط الحزب والدوائر المؤيدة له أن الحزب في الثمانينات غيره في التسعينات ومطلع الألفية الثالثة، فإنّ الواقع اليوم أنّ الحزب بعد انخراطه في الحرب السورية هو غيره قبله. وقد جاء حصار مضايا وتخبّط الحزب في نفي التهم الموجه إليه ليؤكدان محاكاة صورته الجديدة صورة غالبية الميليشيات، لبنانية وغير لبنانية، في "حرب 1975" التي شهدت فظائع دموية وحصاراً للتجمعات البشرية وغير ذلك من موبقات الحروب. وقد كان دأب "حزب الله" ومؤيديه التذكير دوماً أنه لم يشارك في الحرب اللبنانية ولم يرتكب ما ارتكبه سواه من الأحزاب التي حملت السلاح وقتها، باستثناء حرب إقليم التفاح، والتي لم تشتهر كغيرها من المواجهات في تاريخ هذه الحرب. فجاءت مشاركة الحزب في الحرب السورية لتربك هؤلاء وتنسف روايتهم، إلا إذا كانوا يعتبرون أن الإرتكابات على أرض الغير مباحة في استنساخ لمنطق استعماري يدّعون الوقوف في وجهه!

كذلك كان دأب "حزب الله" طوال السنوات الماضية التأكيد على طابعه الإسلامي العربي الشامل في مواجه العدو الإسرائيلي، وهو ما كان ليصّر على دأبه هذا لولا إدراكه أن صورته في نظر كثيرين من العرب والمسلمين الذين كانوا يرون فيه حركة مقاومة ضد اسرائيل حصراً تبدلت خصوصاً بعد حربه في سوريا، وآخر فصولها حصار مضايا الذي وضع الحزب في موقع يصعب عليه الخروج منه. فأي مقاومة هذه سيقتنع بها عموم العرب والمسلمين إذا كانت تحاصر مدنيين، وجلّهم لاجئون، في بلدة سورية؟ لاسيما أن جميع محاولات الحزب لتبرئة نفسه من الحصار لم تنجح لا بل أكدّت حصاره وقوات النظام السوري للبلدة. فالبيان الشهير الذي نسب لـ"الإعلام الحربي"، لم ينف حصار مضايا إنما ذكّر في المقابل بحصار كفريا والفوعة ونبل الزهراء ودير الزور، متهماً "قادة المجموعات المسلحة بالتحكم بالمساعدات الغذائية في مضايا"، علماً أن تحكم المسلحين بالمساعادات لا ينفي الحصار، خصوصاً أنّ المنظمات الإغاثية الدولية طلبت ست مرات خلال أشهر الحصار الست بالسماح لها بإدخال المساعدات إلى مضايا، إلا إن السلطات السورية لم تسمح بذلك إلا مرة واحدة في 17 تشرين الأول الماضي. فلماذا يطلب من قوات النظام وحلفائه السماح بإدخال المساعدات إن لم تكن هي من يحاصر البلدة؟ كذلك كان لافتاً في تصريح السيد هاشم صفي الدين الأحد، استغرابه كيف تصيب مجاعة في بلدة ما 15 أو 20 شخصاً دون الباقين، "لأنه عندما تضرب المجاعة مكان ما فإنها تضربه بأكمله"، وكأن تأكيد الحصار مشروط بموت جميع السكان المحاصرين! علماً أنّ الأمم المتحدة قالت الاثنين إن "400 شخص يجب أن يخرجوا فورا من مضايا لأنهم يواجهون خطر الموت بسبب سوء التغذية ومشاكل طبية أخرى". وكانت منظمة أطباء بلا حدود أشارت في وقت سابق إلى أن 28 مدنياً لقوا حتفهم في البلدة بسبب الجوع منذ مطلع كانون الأول.

في المحصّلة، بيان الحزب يؤكد فئويته مقابل فئوية فصائل كثيرة تقاتل في سوريا، بالنظر إلى الهوية المذهبية لأهالي البلدات التي وضع حصارها مقابل حصار مضايا. وهذا في النهاية ينزع عن الحزب الصورة التي سعى عبر تاريخه الحديث الى تكرسيها، أي صورة المقاومة العابرة للاعتبارات المذهبية والطائفية، فإذا به يدافع حصراً عن الشيعة من نيجيريا الى البحرين والسعودية وعموم المنطقة مروراً بالبلدات الشيعية في سوريا.

صورة "حزب الله" الجديدة لا تريحه بالتأكيد لا بل تضعه في مأزق يصعب الإفلات منه، لكنها في الوقت نفسه مأزق لبناني. لأنّ حصار مضايا ذكّر من جديد بالدرك الذي بلغه الانقسام اللبناني ليس سياسياً ومذهبياً فحسب بل أخلاقياً أيضاً. وهذا تترتب عليه نتائج كارثية، تبدأ بتعميق الشقاق الأهلي ولا تنتهي بتقويض السياسة لأنّ أحد شروطها وجود قاعدة قيمية مشتركة بالحد الأدنى بين جماعات المجتمع. فالشامتون بأهل مضايا والذين تصوروا تشفياً أمام كميات من الأكل تطعم عائلتين بالحد الأدنى، هم أبلغ دليل على الدرك الذي وصل إليه التشوّه الأخلاقي في لبنان. والخطر أنّ "قلّة الأخلاق" تحظى بدعم أهلي متنوع يمكن تأكيده على مواقع التواصل الاجتماعي. ولكن الرابط القوي بين الجماعة الأهلية للحزب وجسمها العسكري، أي الحزب نفسه- وهو رابط غير مسبوق في التاريخ اللبناني الحديث- يضاعف يفاقم هذا الخطر. إذ يخشى أن تجنح جماعات المجتمع إلى "محاكاة" الحزب في توضيح هويّاتها الأولية أكثر فأكثر وتنصيب شتاميها ومتعصّبيها قدّيسين. وهذا، وإن كان من تداعيات الصراع المذهبي في المنطقة، إلا أن طبيعة "حزب الله" وفاعليته وتجذّره أكثر، لاسيّما أنّه يكثف انغلاقه على نفسه، في ظل الأزمة العربية- الإيرانية، وانفضاض غالبية المسلمين والعرب عنه! 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها